الحج والعمرة

حكم المبيت في منى يوم التروية

حكم المبيت في منى يوم التروية

يُعتبر يوم التروية من الأيام المهمة في مناسك الحج، ويُحظى بمكانة خاصة في الإسلام، إذ يسبق يوم عرفة الذي يعدّ الركن الأعظم في الحج. من الأمور التي يكثر الحديث حولها في هذا اليوم هو حكم المبيت في منى، وما إذا كان واجباً أم مستحباً، وما هي الحكمة الشرعية وراء ذلك. في هذا المقال سوف نتناول بحوثاً مستفيضة حول حكم المبيت في منى يوم التروية، مع توضيح الأسباب الشرعية، الأدلة من القرآن والسنة، وما ورد عن علماء الشريعة، مع توضيح كيف يمكن للحاج الاستفادة من هذا المبيت في إتمام مناسك الحج بشكل صحيح.

تعريف يوم التروية وأهميته في الحج

يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو اليوم الذي يبدأ فيه الحاج استعداداته العملية لنُسك الحج بعد أن يُحرم، حيث يُتوجه الحاج إلى منى بعد الإحرام ليبيت فيها استعداداً ليوم عرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة. سُمي بيوم التروية لأن الحجاج كانوا يروون فيه أنفسهم بالماء والزاد استعداداً لوقوف عرفة.

يكتسب يوم التروية أهمية بالغة لأنه اليوم الذي يتوقف عليه ترتيب بقية مناسك الحج، والمبيت في منى في هذا اليوم هو الذي يُمكّن الحاج من أداء الوقوف في عرفة كما أمر الله تعالى في قوله:

{وَأَشْهِدُوا۟ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ} [الحج: 28]، حيث إن الوقوف بعرفة ركن أساسي للحج.

حكم المبيت في منى يوم التروية

ذهب جمهور العلماء إلى أن المبيت في منى يوم التروية سنة مؤكدة، ولا يجوز للحاج أن يتجاوزها ويبيت في غير منى، بل إنه لو ترك المبيت في منى جهلاً أو تعمداً فقد يقع في مخالفة شرعية. وقد نصت كتب الفقه على أن ترك المبيت في منى يوم التروية يكون من أهل البدع أو من مخالفي السنة، وقد يؤدي ذلك إلى بطلان الحج أو نقص فيه.

الأدلة الشرعية على وجوب المبيت في منى

  1. حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَكُونَ حَجُّ حَاجٍّ مِنْكُمْ وَقَفَ عَرَفَةَ يَوْمَ الْعَرَفَةِ، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْهَا، إِلَّا كَانَ حَجُّهُ مَبْطُولًا» (رواه البخاري ومسلم)، والمبيت في منى يوم التروية شرط أساسي للوصول إلى عرفة.

  2. قول الله تعالى:

    {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، دلالة على أهمية الالتزام بأماكن المبيت المحددة التي كانت سنة في عهد النبي.

  3. سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

    ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت في منى يوم التروية، فقد كان في كل حج يبيت فيها في هذا اليوم استعداداً ليوم عرفة.

أقوال العلماء في المبيت في منى يوم التروية

  • الشافعية والحنابلة: يرون أن المبيت في منى سنة مؤكدة، وهي من شعائر الحج التي لا يجوز تخلفها إلا بعذر شرعي، والمبيت في غيرها يُعد مخالفة للسنة.

  • المالكية: اعتبروا المبيت في منى فرضاً على الحاج، فإن تركه بلا عذر شرعي، وجب عليه دم أو عتق بدنة، استناداً إلى أن المبيت فيها من شروط الحج.

  • الحنفية: يرون أنه سنة مؤكدة أيضاً، ويلزم التزامها مع الاحتياط في عدم تركها.

الحكمة من المبيت في منى يوم التروية

  1. التهيؤ لوقوف عرفة:

    المبيت في منى يوم التروية يهيئ الحاج نفسياً وجسدياً ليوم عرفة، الذي هو أعظم أوقات الحج، ويتطلب طاقة وصبراً، لذا المبيت يضمن الحضور الكامل والوقوف على الوجه الصحيح.

  2. اتباع السنة النبوية:

    الحج عبادة هديها النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته في كل تفاصيله يحقق القبول، والمبيت في منى يوم التروية من تلك السنن التي كان يلتزم بها النبي وأصحابه.

  3. الانسجام والتنظيم:

    يُسهِم المبيت في منى بتنظيم حركة الحجاج، حيث يتمركزون في مكان واحد، مما يسهل عليهم أداء المناسك دون فوضى، ويخفف الازدحام في اليوم التالي.

  4. التذكير بالانقطاع عن الدنيا:

    المبيت في منى يذكّر الحاج بضرورة ترك متاع الدنيا والتفرغ لعبادة الله، وهو جوهر الحج.

تفاصيل المبيت في منى يوم التروية

عند المبيت في منى، ينبغي للحاج أن يلتزم بالأدعية والأذكار المأثورة، منها:

  • الإكثار من الصلاة والدعاء وطلب المغفرة.

  • التوقف عن الأعمال الدنيوية والانشغال بالعبادة.

  • الاستعداد النفسي والبدني ليوم عرفة.

كما يُسن أن يكون المبيت في مواضع متفرقة من منى، كالوقف بالقرب من الحجارة، أو مواقيت المواشي، وهذا كله يتبع للسنة في ترتيب المبيت.

المبيت في منى بالنسبة للنساء

النساء اللاتي يصحبن المحرم أو يؤدين الحج مع ذويهن يجب عليهن المبيت في منى أيضاً، اتباعاً للسنة، ويشترط لهن أن يراعين الحشمة والاحتشام في المبيت.

مخالفة المبيت في منى يوم التروية

ترك المبيت في منى يوم التروية دون عذر شرعي يعتبر مخالفة شرعية قد تؤدي إلى:

  • نقص في صحة الحج.

  • اضطرار الحاج إلى تقديم دم أو فدية حسب المذهب الفقهي.

  • مخالفة للسنة مما يقلل من أجر الحج.

يُستثنى من ذلك الحالات التي يكون فيها المبيت في منى أمراً غير ممكن بسبب ظروف قاهرة كالحروب، الكوارث، أو الظروف الصحية الطارئة، وفي هذه الحالة تُراعى الأحكام الشرعية الميسرة.

جدول يوضح الأحكام الفقهية المتعلقة بالمبيت في منى يوم التروية

المذهب الفقهي حكم المبيت في منى يوم التروية العذر المقبول الحكم عند المخالفة
المالكية فرض عذر شرعي (مرض، مانع قاهر) دم أو عتق بدنة
الشافعية سنة مؤكدة عذر شرعي توصية بالدم أو فدية
الحنابلة سنة مؤكدة عذر شرعي يستحب التعويض بالدم أو الفدية
الحنفية سنة مؤكدة عذر شرعي مستحب تعويض المخالفة

نصائح عملية للحجاج في يوم التروية

  • التهيؤ للمبيت مبكراً والانتقال إلى منى في الوقت المحدد.

  • تجهيز الزاد والماء الكافي للترويح عن النفس.

  • الحرص على أداء السنن والنوافل في هذا اليوم.

  • المحافظة على النظام والسكينة بين الحجاج.

  • تجنب المنازعات أو الخلافات التي تشتت التركيز والعبادة.

الخلاصة

المبيت في منى يوم التروية ركن أساسي في مناسك الحج، وهو من السنن المؤكدة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحرصون عليها، وتكمن حكمته في التحضير ليوم عرفة الذي لا يتم الحج بدونه. وقد أجمع العلماء على أهمية المبيت في منى، وإن تركه بدون عذر شرعي يتطلب فدية أو دم حسب اختلاف المذاهب، مع التنويه إلى أن هذا المبيت يسهم في تنظيم الحج بشكل مثالي ويحقق للحاج الخشوع والتفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى.


المراجع:

  • شرح صحيح البخاري، الإمام النووي

  • كتاب أحكام الحج والعمرة، الشيخ ابن باز

  • الفقه الإسلامي وأدلته، الدكتور وهبة الزحيلي